يعدّ موسم الحج واحداً من أكبر المواسم الاقتصادية في العالم الإسلامي، حيث يشهد تدفق ملايين الحجاج من مختلف القارات. ومع هذا التوافد الضخم، تصبح خدمات الإعاشة والتموين من القطاعات الحيوية التي تلعب دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاد المحلي، سواء بشكل مباشر من خلال عمليات البيع والإنتاج، أو بشكل غير مباشر عبر خلق فرص العمل وتحريك سلاسل التوريد. ويُنظر إلى الإعاشة اليوم بوصفها جزءاً مهماً من منظومة اقتصادية أوسع تُسهم في تنشيط الأسواق وتحفيز الاستثمار.
تبدأ أهمية الإعاشة والتموين في موسم الحج من حجم الطلب الهائل على الوجبات اليومية، حيث يحتاج ملايين الحجاج إلى وجبات رئيسية بالإضافة إلى الوجبات الخفيفة والمشروبات. هذا الطلب الضخم يؤدي إلى زيادة النشاط في مصانع الأغذية المحلية، مزارع الدواجن والفاكهة والخضار، شركات التوزيع، ومؤسسات التخزين المبرد. وبالتالي، يتحول الموسم إلى فترة ازدهار للعديد من القطاعات المرتبطة بسلسلة الإمداد الغذائي.
وتُسهم الإعاشة في توفير آلاف الفرص الوظيفية المؤقتة والدائمة؛ فمنذ مرحلة الإعداد وحتى نهاية الموسم، يتم استقطاب العمالة في مجالات الطهي، التغليف، النقل، الإشراف الصحي، إدارة المخازن، وخدمات العملاء. ويمثل هذا فرصة لاكتساب خبرات مهنية جديدة، بالإضافة إلى تحقيق دخل موسمي يدعم السوق المحلي. وفي كل عام، يزداد الطلب على الكفاءات المدربة في هذا القطاع، مما يشجع على إقامة برامج تدريبية متخصصة.
ومن جانب آخر، تُسهم منظومة الإعاشة في تنشيط قطاع النقل واللوجستيات، حيث تتطلب عملية نقل الطعام والمياه والمشروبات أسطولاً ضخماً من المركبات المبرّدة، وتخطيطًا دقيقًا لمسارات التوزيع. هذا النشاط اللوجستي يدعم شركات النقل المحلية ويعزز الاستثمار في تقنيات التبريد وسلاسل الإمداد الحديثة، مما ينعكس على تحسين أداء القطاع على مدار العام، وليس خلال موسم الحج فقط.
ولأن سلامة الغذاء عنصر أساسي في منظومة الحج، تتفاعل الإعاشة والتموين مع قطاع الرقابة الصحية والمختبرات، مما يخلق طلباً إضافياً على معدات الفحص وأجهزة التحليل والتعقيم. هذا بدوره يفتح المجال أمام الشركات المتخصصة لتطوير حلول جديدة تضمن جودة أعلى وسرعة في فحص العينات الغذائية ومراقبتها.
ولا تقف الفوائد عند حدود القطاعات الغذائية فحسب، بل تمتد إلى قطاعات أخرى مثل الطباعة والتغليف، الملابس والتجهيزات، خدمات النظافة، وحتى التسويق والإعلان. فكل وجبة تحتاج إلى عبوة، وكل شركة تحتاج إلى مواد تعريفية، وكل عملية توزيع تحتاج إلى أدوات تنظيمية. وكل ذلك ينعكس في شكل اقتصاد محلي نابض بالحركة.
كما يُعد موسم الحج فرصة للشركات لتحسين تقنيات التشغيل. فالمنافسة تدفع نحو الابتكار، سواء في طرق الطهي السريع، تعبئة الوجبات، أو تقنيات الحفظ. وهذا الابتكار يتواصل حتى بعد نهاية الموسم ليخدم سوق الغذاء في المملكة طوال العام.
إن خدمات الإعاشة والتموين ليست مجرد عملية لتوفير الطعام، بل هي منظومة اقتصادية شاملة تُسهم في دعم العديد من القطاعات المحلية. ومع ازدياد أعداد الحجاج وتطور الخدمات عاماً بعد عام، يزداد دور الإعاشة في تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير بيئة تشغيلية أكثر كفاءة وابتكارًا. ويمثل هذا القطاع أحد أعمدة التنمية التي تواكب رؤية المملكة 2030 في تطوير الخدمات وتنشيط الاقتصاد المحلي.