مقالات

رفادة الحجاج والمعتمرين .. تقليد أصيل تتجدد روحه في قلب الحرمين

رفادة .. منذ فجر الإسلام، كانت “الرفادة” أي إكرام الحجاج والمعتمرين وتوفير طعامهم وشرابهم سمة من سمات مكة المكرمة والمدينة المنورة، والرفادة لخدمات الحجاج مظهراً من مظاهر الكرم الحجازي المتجذر في ثقافة أهل الحجاز. ومع تطور الزمن، تطورت كذلك مفاهيم الإعاشة والتموين، لتصبح اليوم منظومة متكاملة تشرف عليها المملكة العربية السعودية لخدمة ملايين الحجاج والمعتمرين القادمين من شتى بقاع الأرض.
معنى رفادة
كلمة “رفادة” في اللغة العربية تعني الإعانة والإطعام، وقد ارتبطت بالبيت الحرام منذ عهد الجاهلية، حيث كانت بعض قبائل قريش تتكفل بطعام الحجاج، ولما جاء الإسلام، رسّخ هذا المبدأ، فجعل من خدمة الحجيج والمعتمرين شرفاً عظيماً. وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم “القرآن الكريم”:
“أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ” (التوبة: 19).
منذ ذلك الحين، كانت رفادة الحجاج عبادة تجمع بين حسن الضيافة وسمو الخدمة، خاصة في مواسم عظيمة مثل رمضان وأيام عرفة وعشر ذي الحجة.
رفادة الحجاج في العصر الحديث
في عصرنا الحالي، تولت المملكة العربية السعودية مهمة الرفادة بشكل مؤسسي من خلال جهات حكومية وخاصة تعمل ليل نهار في مكة المكرمة والمدينة المنورة ومناطق المشاعر المقدسة مثل منى وعرفات ومزدلفة، ويتم سنوياً إعداد خطط محكمة لـ موسم الحج والعمرة تشمل: تقديم ملايين الوجبات اليومية عبر شركات إعاشة معتمدة، خدمات تموين سريعة في المشاعر، توزيع وجبات ساخنة وباردة تلبي المعايير الصحية العالمية، وتقديم الماء البارد والعصائر في ساحات الحرم وفي أماكن المبيت.
البعد الروحي والاجتماعي للرفادة
لا تقتصر رفادة المعتمرين والحجاج على الطعام فقط، بل تتعداه إلى تقديم الراحة النفسية والتيسير عليهم في أداء مناسكهم، فالابتسامة، وحسن الاستقبال، وتوفير بيئة مريحة وآمنة لهم هي من صور الرفادة المعنوية التي توازي الرفادة المادية.
كما أن مشاريع مثل سقيا “زمزم”، و”إفطار صائم” في رمضان، والخيام المجهزة في منى، كلها تنضوي تحت مفهوم الرفادة بمفهومها الحديث.
مكة والمدينة .. قلبا الرفادة
إن كل من مكة والمدينة ليسا فقط محط أنظار العالم الإسلامي، بل هما أيضاً المركز الأساسي لعمليات رفادة الحجاج والمعتمرين والإعاشة والضيافة في العالم، خصوصاً في أوقات الذروة مثل مواسم الحج والعمرة. وتعمل الجهات المعنية على تطوير هذه الخدمات سنوياً، ضمن رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى الارتقاء بتجربة خدمة ضيوف الرحمن.